العلاج الوظيفي في الطب النفسي هو فرع من علوم إعادة التأهيل يساعد الأفراد الذين يعانون من اضطرابات نفسية على اكتساب أو استعادة المهارات اللازمة لعيش حياة مستقلة، مُنتجة، ومُرضية.
الفلسفة الأساسية: الإيمان بأن “الانشغال” (Occupation) بالأنشطة الهادفة وذات المعنى هو أمر ضروري لصحة الإنسان ورفاهيته. والمقصود هنا بـ “الانشغال” ليس فقط المهنة أو العمل الاحترافي، بل يشمل جميع الأنشطة التي تملأ وقتنا:
العناية بالذات (Self-Care): الأنشطة اليومية مثل الاستحمام، ارتداء الملابس، تناول الطعام، وإدارة الأدوية.
يمكن للاضطراب النفسي أن يعطّل قدرة الفرد على أداء واحدة أو كل هذه المجالات. المعالج الوظيفي (Occupational Therapist – OT) يساعد العميل على التغلب على هذه العقبات.
من هم الأشخاص الذين يحتاجون إلى العلاج الوظيفي في مجال الصحة النفسية؟
العلاج الوظيفي مفيد لمجموعة واسعة من الأفراد الذين يعانون من اضطرابات نفسية، بما في ذلك:
الاضطرابات النمائية العصبية: مثل اضطراب طيف التوحد (ASD) واضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط (ADHD) لدى البالغين.
الأساليب والتقنيات العلاجية في العلاج الوظيفي النفسي
يستخدم المعالج الوظيفي نهجاً “متمحوراً حول العميل”؛ أي أن الخطة العلاجية تُصمَّم بناءً على أهداف وقيم واحتياجات كل فرد الفريدة. فيما يلي أحد أهم المناهج وأكثرها شمولاً:
نموذج إعادة التأهيل النفسي-الاجتماعي (Psychosocial Rehabilitation Model)
هذا النموذج هو إطار علاجي شامل لا يهدف فقط إلى تقليل أعراض المرض، بل إلى تعزيز الأداء العام للفرد في المجتمع. يركز المعالج الوظيفي في هذا النموذج على مهارات الحياة العملية.
المكونات الرئيسية لهذا النهج العلاجي:
١. تدريب مهارات الحياة اليومية (Activities of Daily Living – ADL Skills Training):
الهدف: مساعدة الفرد على تحقيق الاستقلالية في المهام الأساسية.
أمثلة:
إدارة النظافة الشخصية: إنشاء روتين منتظم للاستحمام والعناية بالمظهر (والذي يختل في حالات الاكتئاب الشديد).
إدارة الأدوية: تعليم طرق لتذكر مواعيد تناول الأدوية، وفهم الآثار الجانبية، وأهمية الالتزام بالعلاج.
تخطيط وإعداد الطعام: تعليم مهارات التسوق، ووضع الميزانية، وطهي وجبات بسيطة وصحية.
٢. تطوير المهارات الاجتماعية (Social Skills Development):
الهدف: تحسين قدرة الفرد على التواصل الفعّال وبناء علاقات صحية.
أمثلة:
العلاج الجماعي: عقد جلسات جماعية حول موضوعات مثل بدء المحادثات، والاستماع النشط، وتأكيد الذات (الحزم)، وحل النزاعات.
لعب الأدوار (Role-Playing): التدرب على مواقف اجتماعية صعبة (مثل مقابلة عمل أو طلب المساعدة) في بيئة آمنة.
٣. إدارة الوقت وهيكلة اليوم (Time Management & Daily Structuring):
الهدف: مساعدة الأفراد (خاصة المصابين بالاكتئاب أو الفصام الذين قد يفقدون الدافع والبنية اليومية) على إنشاء جدول يومي متوازن.
الهدف: إعداد الفرد للدخول أو العودة إلى بيئة العمل أو الدراسة.
أمثلة:
تقييم الاهتمامات والقدرات: مساعدة الفرد على تحديد الوظائف التي تتناسب مع مهاراته وقيوده.
التدريب على المهارات الوظيفية: كتابة السيرة الذاتية، والتدرب على المقابلات، وتعلم كيفية التفاعل مع الزملاء والمديرين.
ورش العمل المحمية (Sheltered Workshops): توفير بيئة عمل داعمة لممارسة المهارات قبل الدخول في سوق العمل التنافسي.
٥. إدارة الإجهاد واستراتيجيات التكيف (Stress Management & Coping Strategies):
الهدف: تزويد الفرد بأدوات لإدارة أعراض المرض وضغوط الحياة اليومية.
أمثلة:
تعليم تقنيات الاسترخاء: التنفس العميق، الاسترخاء العضلي التدريجي.
الأنشطة التعبيرية: استخدام الفن، الموسيقى، الكتابة، أو البستنة كوسيلة للتعبير عن المشاعر وتقليل القلق.
تعليم حل المشكلات: مساعدة الفرد على تحديد المشاكل، وإيجاد الحلول الممكنة، واختيار الخيار الأفضل.
٦. اكتشاف والمشاركة في أنشطة ترفيهية ذات معنى:
الهدف: مساعدة الفرد في العثور على هوايات وأنشطة ممتعة وذات مغزى لتعزيز شعوره بالهوية والهدف.
مثال: اصطحاب العميل إلى المكتبة، أو فصل رياضي، أو مجموعة فنية محلية لاكتشاف اهتمامات جديدة.
أماكن تقديم خدمات العلاج الوظيفي النفسي
يعمل المعالجون الوظيفيون في بيئات متنوعة:
مستشفيات الطب النفسي (للمرضى المقيمين)
عيادات الصحة النفسية (للمرضى الخارجيين)
مراكز التأهيل اليومية
مراكز علاج الإدمان
السجون والمؤسسات الإصلاحية
في منزل العميل (الزيارات المنزلية)
باختصار، يُنشئ العلاج الوظيفي، من خلال تركيزه على تمكين الأفراد عبر الأنشطة الهادفة، جسراً حيوياً يربط بين العلاج الدوائي/النفسي وحياة الفرد الواقعية في المجتمع، ويساعده على أداء دور نشط ومُرضٍ في حياته.